يتناول كتاب "القيادة المرتكزة علىمبادىء" مشكلة الفشل المزمن الذي يعاني منه أغلب الناس عندما يشعرون في مرحلة ما من مراحل حياتهم بالخواء والعجز عن تحقيق النتائج المطلوبة منهم. ويرجع الكتاب هذا الفشل إلى سيطرة عادات سيئة وأنماط حياتية رديئة ومتدنية على هؤلاء الناس. ومن ثم يقوم الحل الذي يقترحه على كيفية تحطيم تلك العادات واستبدالها بعادات أخرى أكثر فعالية وإيجابية. وهنا يأتي دور "القيادة" التي تتسم بالفعالية والقدرة على الابتكار عندما تساعد في تحطيم العادات السلبية، وكسر استمرارية الماضي الذي لا يؤدي استمراره إلا إلى توليد نفس النتائج غير المرغوبة. ومن ثم، تمد هذه القيادة يد العون إلى الأفراد وتساعدهم على إعادة بناء ذواتهم على نحو يحقق لهم النجاح المأمول في حياتهم الشخصية والعملية.
يبدأ الكتاب بتمهيد بعنوان "الطريقةالمرتكزةعلىالمبادىء" يشغل الصفحات من رقم "15" حتى "40". ثم ينقسم إلى جزأين. الأول بعنوان "الفعاليةالشخصيةوالجماعية". ويتكون من مقدمة و13 فصل ويشغل الصفحات من رقم "41" حتى رقم "262". ويعنى هذا الجزء بتناول التطبيقات الفردية والجماعية لمبادىء الفعالية. أما الجزء الثاني وهو بعنوان "التقدمالإداريوالتنظيمي" فيتكون من مقدمة و18 فصل (من الفصل رقم 14 حتى الفصل الأ خير وهو الفصل رقم 31) ويشغل الصفحات من رقم "263" حتى رقم "527". ويتناول هذا الجزء، التطبيقات الإدارية والمؤسسية لمبادىء الفعالية. وينتهي الكتاب بخاتمة عنوانها "الصيدفيالبحيرة" تشغل الصفحات من رقم "546" حتى رقم "565".
يحمل ستيفن ر. كوفي مؤلف الكتاب على الطرق التقليدية التي تعاملت مع "الحالةالإنسانية" بانتهازية ومكر، بعنف، ويدينها بشدة. فهذه النوعية من الطرق وأساليب التعامل غالبا ما تهرب من مواجهة المشكلة الحقيقية مفضلة دائما تقديم أنماط من الحلول السريعة والسهلة وغير الجدية. وبدلا من هذه الطرق المختصرة وأساليب اللف والدوران التي توصل إلى الغاية بأقل مجهود، يقترح كوفي طريقة أخرى قائمة على أسس ومبادىء ثابتة. ويؤكد كوفي بأن طريقته مستمدة من قوانين الطبيعة، وبصفة خاصة من "قانونالمزرعةأوالحقل". وفكرة هذا القانون باختصار هي أنك لكي تحصد، ينبغي أن تزرع. يجب عليك أن تعد الأرض وتجهزها وتلقحها بالبذور وتفلحها وترويها بالماء وترعاها وتتعهدها قبل أن تفكر في جني حصادك. وتعمل الحياة الإنسانية بنفس الطرق التي تعمل بها الطبيعة. فالقوانين الثابتة تدخل هي الأخرى في تضاعيف الحياة الإنسانية وتكون جذورا راسخة لكل أشكال الروابط والعلاقات والتنظيمات التي تتفرع إليها هذه الحياة. إن قوانين ومبادىء أساسية مثل الجمال والخير والعدل والصدق والحب هي من الخلود والثبات لدرجة أنها تعد جزءا من الحالة البشرية ومن الوعي والضمير الإنسانيين.
وينظر كوفي إلى الكتاب التقليديين الذين كتبوا في موضوع "التطويرالشخصي" بقليل من الاحترام وكثير من الشفقة. فتصويرهؤلاء الكتاب للمشكلة على أنها نقص في "البراعةالفنية"، ومن ثم تقديم حل قائم على إدخال تعديلات بسيطة على الشخصية من الخارج وتعلم مهارات جديدة، هو مضيعة للوقت وجهد لا طائل من ورائه. فمهما كان مستوى البراعة الفنية لشخص ما، فإن أمورا مثل أمانة هذا الشخص ومدى الثقة به، تأتي دائما في المرتبة الأولى. ثم إن تعديل الشخصية من الخارج يبدو أمرا يسيرا نسبيا بالقياس إلى تغيير العادات. فما أشق التحلي بالصدق لمن اعتاد الكذب، وقل مثل ذلك في الوفاء بالوعد والمحافظة على العهد وتقدير الآخرين واحترام معتقداتهم. إن تقدير الذات وتطويرها الحقيقي ليست إذن مسألة تعديل خارجي بسيط بل مسألة تغيير عميق من الداخل، مسألة تعود واستبطان للمبادىء والأهداف السامية.
وقراءة التاريخ تدلنا بوضوح على مدى صواب وصحة معيار "المبادىء" ودقته، وأن مجرد الاهتداء بتلك "المبادىء" والانقياد إليها هو الذي يجعل الأفراد أكثر تأثيرا وفعالية ويضع في قبضة الحضارات والثقافات قدرات وسلطات أكبر. فالحضارات التي جعلت من "المبادىء" بوصلة ونبراسا لها، هي الحضارات التي كانت تصعد قدما في معارج الرقي والرخاء. في حين أن الحضارات التي حدثت فيها انتهاكات صارخة للمبادىء، سرعان ما جعلها هذا الانتهاك تنحدر بسرعة وتقع نهبا لمختلف ضروب الانهيارات والتفسخات السياسية والاجتماعيىة المدمرة. ففي صلب "المبادىء" وفي أساس تكوينها، أنه لا يمكن تجاوزها أو انتهاكها. صحيح أن الإنسان بفضل ما يتمتع به من حرية وقدرة على الاختيار، قد ينجح على المدى القصير في تخطي "المبادىء" والتحايل عليها، بل وقد يتمكن أيضا من تحقيق بعض المكاسب. إلا إنه، على المدى الطويل، لابد أن يقع تحت طائلة عقوبتها.
ورغم أن تحليل كوفي ينصب في معظمه على الفرد والأسرة من ناحية، وعلى مؤسسات العمل بوصفها أحد الأشكال التنظيمية والإدارية، من ناحية أخرى، إلا أن تحليله يمكن أن يتسع ليشمل أشكالا تنظيمية وإدارية أكبر وأعقد بكثير من قبيل "الدولة" و "المجتمع" ككل. وعند هذا المستوى من التحليل سنتمكن من اكتشاف وفهم حقيقة ما يحدث في منطقتنا العربية. فبغض النظر عما إذا كانت الثورة على الظلم والفساد، محرمة أو غير محرمة شرعا، فالأسباب المؤدية لقيام الثورات هي أسباب موضوعية وواقعية تماما، وهي لذلك، وعلى حد قول هيجل، أسباب معقولة، أيضا. إن أنظمة الحكم الاستبدادية – الأبوية والبيروقراطية التي تسيطر على العالم العربي تقوم بوعي أو بغير وعي، بتدمير العلاقات والروابط الإنسانية داخل المجتمع، ومن غير المعقول أن تواصل هذه الأنظمة تدميرها، وتتوقع مع ذلك، حصد نتائج جيدة. لا يمكن لنظام حكم ينتهك "المبادىء"، بأن يسلب من مواطنيه حقوقهم وحريتهم في الرفض والتعبير عن الرأي، ويتعامل معهم كما لو كانوا أشياء بل جراثيم وحشرات على حد قول فتحيالمسكيني أو جرذان على حد قول القذافي،أن يفلت من العقاب مهما طال الزمن. إن بعض الحكام يخطئون في حق مواطنيهم، ويظنون أن بإمكانهم التملص من دفع ثمن أخطائهم وتزييف الحقيقة كي لا يشوهوا صورتهم أمام المجتمع. ثم عندما يفاجئون بثورة مواطنيهم عليهم، تعلو أصواتهم في صراخ يحمل نبرات الوعيد والغضب. أيها الحكام، غضبكم لا يمكن أن يردع الثوار. غضبكم لا طائل من ورائه. لقد قمتم بانتهاك "مبادىء" وسنن الكون طوال فترة حكمكم المديدة، والآن حان أوان وقوعكم تحت طائلة العقوبة جراء هذا الانتهاك. والثورة هي هذا الأوان. هل فهمتم الآن !!!
حمل من هنا